مفطرات أخرى
3-القيء : ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ( من استقاء عمداً فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه ) .
فمن تعمد إخراج القيء فإنه يقضي لكونه تعمد إخراج ما يفطر صومه ، ومن غلبه وخرج قهراً فلا قضاء عليه لكونه لم يتسبب في ذلك .
4- إخراج الدم : إذا خرج الدم من غلبه فإنه لا قضاء عليه ، وإذا تعمد إخراجه فالقياس أنه يطر كالقيء ولكنه إذا خرج بدون اختيار منه ، أو كان بحاجة إلى ذلك كخلع ضرس ونحوه ، فله أن يحتفظ عن دخوله مع ريقه أو ابتلاع شئ ، فإن تحفظ فالصحيح أيضاً أنه لا يؤثر على صومه .
5- الحجامة : ذهب الإمام أحمد إلى أن الحجامة تفطر واستدل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( افطر الحاجم والمحجوم ) وهو حديث متواتر رواه عدد من الصحابة كما شرح الزركشي ولو لم يكن منه شئ في الصحيحين ولكنه منه أحاديث ثابتة عن شداد وثوبان وغيرهما لا طعن فيها على الصحيح وفطر الحجم في ذلك الوقت لأنه يمتص الدم ويكرر امتصاصه ، فيختلط بريقه فلا يؤمن أن يبتلع منه شيء ولكن في هذه الأزمنة محاجم ليس فيها امتصاص ، إنما هي آلات يضغط عليها فتمسكه ، وتمتص الدم ففي هذه الحال قد يقال لا يفطر الحاجم إلا أن يكون لتسببه في إفطار غيره . وأما المحجوم فإنه يفطر لخروج هذا الدم الكثير منه فيقاس على خروج دم الحيض .
6- نقل الدم بالإبرة : لو أخذ الدم فيما يسمى بالتحليل ، أو التبرع لمنحه للمريض فإذا كان هذا الدم كثيراً فإنه يلحق بالحجامة ، وأما الدم القليل بالإبرة ، وما يؤخذ للتحليل فالصحيح أنه لا يفطر لكونه ليس حجامة ولا يلحق بها .
7- الضرب بالإبرة : وفيه تفصيل فإذا كانت الحقنة مغذية ومقوية فإنها تفطر ، وذلك لقيامها قام والشراب فالمغذي هو الذي يدخل مع العروق ويقوم مقام الطعام البدن قوة فنطر لانها قامت مقام الأكل وأنابت عنه ، وأما الإبر التي تسري في العروق وتعم أغلب البدن ويظهر الإحساس بها داخل الجسم وظاهره فالأقرب أنها تفطر مطلقاً ، أما الإبر الأخرى التي هي إبر يسيرة للتهدئة أو لتصفية الجسم، أو ما أشبه ذلك فالأولي والصحيح أنها لا بأس بها ولا تفطر الصائم .
المفطرات المعنوية
كما أن على الصائم أن يمسك عن المفطرات الحسية كالأكل والشرب وغيره فإن عليه أيضاً أن يمسك عن المفطرات المعنوية التي تنقص الصيام كما ورد في الحديث الشريف ( ليس الصيام عن الطعام والشراب إنما الصيام عن اللغو والرفث ) .
فعلى الصائم أن يمسك عن الكلام السئ الذي فيه مضرة عليه ومشقة حتى يجوز أجر الصيام كما تقدم .
مفسدات الصوم
للصيام مفسدات يجب على المسلم أن يعرفها , ليتجنبها, ويحذر منها ; لأنها تفطر الصائم , وتفسد عليه صيامه , وهذه المفطرات منها :
الجماع : فمتى جامع الصائم , بطل صيامه , ولزمه قضاء ذلك اليوم الذي جامع فيه , ويجب عليه مع قضائه الكفارة , وهي : عتق رقبة , فإن لم يجد الرقبة أو لم يجد قيمتها , فعليه أن يصوم شهرين متتابعين , فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين , بأن لم يقدر على ذلك لعذر شرعي , فعليه أن يطعم ستين مسكينا , لكل مسكين نصف صاع من الطعام المأكول في البلد .
- إنزال المني : بسبب تقبيل أو لمس أو استمناء أو تكرار نظر , فإذا حصل شيء من ذلك , فسد صومه , وعليه القضاء فقط بدون كفارة ; لأن الكفارة تختص بالجماع . والنائم إذا احتلم فأنزل , فلا شيء عليه , وصيامه صحيح ; لأن ذلك وقع بدون اختياره , لكن يجب عليه الاغتسال من الجنابة .
الأكل أو الشرب متعمدا: , لقوله تعالى : [ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ]
أما من أكل وشرب ناسيا , فإن ذلك لا يؤثر على صيامه , وفي الحديث : { من أكل أو شرب ناسيا , فليتم صومه , فإنما أطعمه الله وسقاه } ومما يفطر الصائم إيصال الماء ونحوه إلى الجوف عن طريق الأنف , وهو ما يسمى بالسعوط , وأخذ المغذي عن طريق الوريد , وحقن الدم في الصائم , كل ذلك يفسد صومه ; لأنه تغذية له , ومن ذلك أيضا حقن الصائم بالإبر المغذية ; لأنها تقوم مقام الطعام , وذلك يفسد الصيام , أما الإبر غير المغذية , فينبغي للصائم أيضا أن يتجنبها محافظة على صيامه , ولقوله صلى الله عليه وسلم { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } ويؤخرها إلى الليل.
إخراج الدم من البدن : بحجامة أو فصد أو سحب دم ليتبرع به لإسعاف مريض , فيفطر بذلك كله .
أما إخراج دم قليل كالذي يستخرج للتحليل , فهذا لا يؤثر على الصيام , وكذا خروج الدم بغير اختياره برعاف أو جرح أو خلع سن , فهذا لا يؤثر على الصيام .
ومن المفطرات التقيؤ : , وهو استخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم متعمدا , فهذا يفطر به الصائم , أما إذا غلبه القيء , وخرج بدون اختياره , فلا يؤثر على صيامه , لقوله صلى الله عليه وسلم : { من ذرعه القيء , فليس عليه قضاء , ومن استقاء عمدا , فليقض } ومعنى " ذرعه القيء " أي : خرج بدون اختياره , ومعنى قوله : " استقاء " أي : تعمد القيء .
وينبغي أن يتجنب الصائم الاكتحال ومداواة العينين بقطرة أو بغيرها وقت الصيام , محافظة على صيامه .
ولا يبالغ في المضمضة والاستنشاق ; لأنه ربما ذهب الماء إلى جوفه , قال صلى الله عليه وسلم : { وبالغ بالاستنشاق إلا أن تكون صائما }
والسواك لا يؤثر على الصيام , بل هو مستحب ومرغب فيه للصائم وغيره في أول النهار وآخره على الصحيح .
ولو طار إلى حلقه غبار أو ذباب , لم يؤثر على صيامه . ويجب على الصائم اجتناب كذب وغيبة وشتم , وإن سابه أحد أو شتمه , فليقل إني صائم , فإن بعض الناس قد يسهل عليه ترك الطعام والشراب , ولكن لا يسهل عليه ترك ما اعتاده من الأقوال والأفعال الرديئة , ولهذا قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الطعام والشراب.
التقوى واستشعار عظمة الله
على المسلم أن يتقي الله ويخافه ويستشعر عظمة ربه واطلاعه عليه في كل حين وعلى كل حال , فيحافظ على صيامه من المفسدات والمنقصات , ليكون صيامه صحيحاً.
وينبغي للصائم أن يشتغل بذكر الله وتلاوة القرآن والإكثار من النوافل , فقد كان السلف إذا صاموا , جلسوا في المساجد , وقالوا . نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا , وقال - صلى الله عليه وسلم : { من لم يدع قول الزور والعمل به , فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } وذلك لأنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم , روي عن أبي هريرة مرفوعا : { الصائم في عبادة ما لم يغتب مسلما أو يؤذه } وعن أنس : { ما صام من ظل يأكل لحوم الناس } فالصائم يترك أشياء كانت مباحة في غير حالة الصيام , فمن باب أولى أن يترك الأشياء التي لا تحل له في جميع الأحوال , ليكون في عداد الصائمين حقاً.